تحميل كتاب حلف المصالح المشتركة التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة pdf
تأليف: تريتا بارزي
تحميل الكتابقراءة أونلاين
حول الكتاب:
هل ثمة حلقة مفرغة أم ملأى بالتجاذبات تتحرك في داخلها سيناريوهات تتوزعها الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل؟ قد يبدو هذا التساؤل، اليوم، خارج السياق السياسي المتداول في أعقاب التناقض الفاضح بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وطهران من جهة أخرى. وقد يتراءى إلينا كذلك أن في هذا التساؤل حيّزاً واسعاً من العبث أو الاستهتار بالحقائق الإقليمية والدولية التي تجعل من هذين الفريقين نموذجاً للعداء المطلق بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، يتجرأ الباحث الأميركي الرزين، تريتا بارزي، على مناقشة هذه المسألة المحيّرة في كتابه الهام "حلف المصالح المشتركة.. التعاملات السرية بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران"، الصادر بالعربية، حديثاً، عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت. تنطوي هذه الدراسة، في حقيقة الأمر، على منظومة معقّدة من الأسباب التي يسبغ عليها الكاتب ثقلاً موضوعياً مميّزاً، من شأنها أن تثير استياء عميقاً في كل من العواصم المذكورة. من هنا، الإفادة العلمية الكبرى التي قد يسفر عنها الكتاب، على الأقل في المنهج المتّبع الذي يستقي المعلومات مباشرة من صنّاع القرار السياسي في الدول الثلاث. والأرجح أن الباحث، وهو من الخبراء المشهود لهم في السياسة الدولية للولايات المتحدة، يقارب هذه القضية الملتبسة، إذا صحّ التعبير، بعقل بارد للغاية، متخطياً المفاهيم الشائعة أو المتوارثة، منذ عقود، عن خارطة المواقف المعلنة أو المضمرة بين هذه الأطراف الثلاثة.
الجغرافيا السياسية
ينطلق الكاتب، في هذه المغامرة الصعبة، من اعتقاد براغماتي غير نظري، مفاده أن التحولات الكبرى في التجاذب الإسرائيلي ـ الإيراني، ليست إلا نتاجاً، على الأرجح، لحقائق جغرافية سياسية لا تمت بصلة الى الإيديولوجيا الثابتة. يفترض هذا التوجه أن أي حلّ يجري التفاوض بشأنه حول التنافس الاستراتيجي بين الدولتين، قد يسهّل بدرجة كبيرة حلّ المشكلات الإقليمية الأخرى بدلاً من الالتفاف عليها. يتوسع الكاتب في مناقشة هذه القضية بإزالة ما علق من غبار كثيف بفصولها وحيثياتها. يرى، في هذا الإطار، أن العداوة الحالية المستحكمة بين البلدين، تبدو أكثر ارتباطاً بموازين القوى في الشرق الأوسط، بعد انتهاء الحرب الباردة، منها بالثورة الإسلامية في إيران. يستدل على ذلك بملاحظة يعوّل عليها كثيراً في الكتاب تفيد بأنه عندما دعا القادة الإيرانيون الى تدمير إسرائيل في ثمانينات القرن الماضي، كانت إسرائيل واللوبي المؤيد لها في واشنطن، يسعيان الى التأثير على الإدارة الأميركية وحملها على عدم الالتفات الى الخطاب الإيراني. يضيف المؤلف أنه بدءاً من العقد الأخير في القرن الماضي، وتحديداً في خضم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة وإسرائيل لإقامة نظام جديد في الشرق الأوسط، حصل تداخل بين مصالح إيران الإيديولوجية والاستراتيجية. وقررت طهران، للمرة الأولى، أن تصبح خصماً يتصدّر العداء للدولة اليهودية. ومع ذلك، يسجّل الكاتب ملاحظة تسترعي الانتباه هي: إن كلاً من إيران وإسرائيل استخدمتا نفوذهما لإحباط مبادرات السياسة الخارجية الأميركية بذريعة أنها تصبّ في مصلحة الطرف الآخر. بناء على ذلك، يستنتج الكاتب أن إيران وظفت ثقلها الإقليمي لعرقلة العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين مخافة أن تصبح معزولة في المنطقة. وفي المقابل، أصرّت إسرائيل على الحؤول دون الشروع في حوار أميركي ـ إيراني مخافة أن تهمل الولايات المتحدة المصالح الأمنية الإسرائيلية. ولا تزال هذه المعادلة، في نظر الكاتب، سائدة حتى اللحظة الراهنة، الأمر الذي يغذّي التوترات على الساحة الإقليمية ويزيدها اشتعالاً أو اقتراباً من الانفجار.
مواقف غير معلنة
يتناول هذا الكتاب، على نحو من القراءة التحليلية، المواقف التي لا يجري التعبير عنها بشكل مباشر في السياسة الخارجية لكل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. وقد آثر المؤلف مناقشة التجاذبات السياسية بين هذه الدول الثلاث من دون التطرّق الى التطورات الداخلية في كل منها بغض النظر عن تأثيرها الضئيل أو الكبير في مجال العلاقات الدولية لهذه الأطراف الثلاثة. ولم يسعَ الكاتب، في هذا السياق، الى محاولة تقديم تفسير عميق للإيديولوجيات التي تلقي بظلّها على قادة هذه البلدان. إنصرف، بدلاً من ذلك، الى دراسة الدينامية الداخلية للأفكار ووجهات النظر العالمية من زاوية ارتباطها بالسياسة الخارجية لكل من إيران وإسرائيل على وجه التحديد. ولا ينبغي أن تعني هذه المقاربة عدم وجود صلة بين الإيديولوجيات والنزاع القائم في ما بينها، أو أن هذه الأخيرة هي موضع تساؤل في هذا الإطار. فعلى النقيض من ذلك، يتمسّك القادة الإيرانيون والإسرائيليون بإيديولوجياتهم المعهودة بعناد ويتعاملون معها على محمل الجدّ. ومع ذلك، لا يرى الكاتب أن هذه الإيديولوجيات تشكّل العامل الرئيسي الحاسم في عملية التجاذب الصعب بين إيران وإسرائيل. يحلّل المؤلف هذه القضية الحسّاسة باستفاضة بعيدة عن الأهواء الشخصية والخطاب السياسي الجاهز، في ثلاثة أقسام. يناقش، في أولها، السياق التاريخي للمثلث الأميركي ـ الإسرائيلي ـ الإيراني أثناء الحرب الباردة. كما يعرّج على ما يعتبره جهوداً إسرائيلية مكثّفة لترميم العلاقات الأميركية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، إضافة الى ما يعتبره سياسة مزدوجة إعتمدتها إيران في تعاملها مع إسرائيل: فهي تنكر حق الكيان الصهيوني في الوجود من ناحية، ثم تنتهج سياسة ضبابية حيال القضية الفلسطينية من ناحية ثانية. ويظهر الفصل الثاني التداعيات العميقة التي أسفرت عن انهيار الاتحاد السوفياتي وهزيمة العراق أمام التحالف الدولي في العام 1991 وتأثيرها على العلاقات بين واشنطن وطهران وتل أبيب. وينصبّ الفصل الأخير على مناقشة الخيارات التي تفكر فيها واشنطن في الوقت الراهن حيال الصناعة النووية في إيران.
الشرق الأوسط الجديد
في أي حال، يرى المؤلف أن ما يسمّى "الشرق الأوسط الجديد" الذي راح يبرز في أعقاب زوال الاتحاد السوفياتي، أن إيران وإسرائيل لم تعودا تعتبران أنهما شريكان محتملان في موضوع الأمن، بل متنافسان في تحديد التوازن في الشرق الأوسط. من هنا، يبدو الكاتب أكثر ميلاً الى الاعتقاد بتحوّل إيران خصماً فاعلاً لإسرائيل، وسعي الكيان الصهيوني، في هذا المجال، الى معارضة أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، إضافة الى الجهود التي تبذلها إسرائيل وإيران لإجهاض السياسات الأميركية في المنطقة باعتبار أنها قد تندرج في مصلحة إسرائيل على حساب إيران أو العكس. يستدل الكاتب على ذلك بالقول أن طهران سعت الى إفشال عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لمنع واشنطن من تشكيل شرق أوسط يتمحور حول إسرائيل ويعتمد على إحكام عزلة مطوّلة على إيران. ويستكمل الكاتب شرح هذه الرؤية بالقول أيضاً أن إسرائيل عارضت المحادثات التي كانت تجري بين واشنطن وطهران مخافة أن يؤدي أي تقارب من هذا النوع الى منح إيران أهمية استراتيجية كبرى على حساب إسرائيل.
الخلاف الإيديولوجي.. خرافة
على هذا الأساس، لم يكن سبب اندلاع الصراع بين إيران وإسرائيل، وفقاً للكتاب، الخلاف الإيديولوجي بينهما، على الرغم من أهميته في هذا الإطار. فوجهات النظر المعادية للصهيونية يتبناها أغلب الساسة الإيرانيين. ومع ذلك، يستنتج الكاتب بأن تأثير التوجه الإيديولوجي للقادة الإيرانيين في رسم السياسة الخارجية لبلادهم مسألة مختلفة تماماً. بدليل أن معظم التحولات الجوهرية في العلاقات الإسرائيلية ـ الإيرانية، قد تزامنت، بشكل أو بآخر، مع التغيرات الجيوسياسية وليس الإيديولوجية. يوفّر المؤلف مثالاً على ذلك منذ أن أخذ شاه إيران السابق يبتعد عن إسرائيل بعد أن باتت طهران تمتلك من القوة ما يمكنها من تحييد الخطر العربي وعقد صداقات مع الدول العربية من موقع القوة. في تلك المرحلة، يؤكد المؤلف ازدياد ميل إيران الى اعتبار علاقتها بإسرائيل عبئاً أكثر منها رصيداً. من ناحية أخرى، فإن التحوّل الأسوأ والأكثر دراماتيكية في العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية قد حدث فعلاً بعد انتهاء الحرب الباردة وهزيمة العراق في حرب الخليج. من هذا المنطلق، يلحظ الكاتب أن الحماسة الإيديولوجية للنظام الإيراني شهدت تراجعاً في تلك الأثناء. ففي حين بدت الإيديولوجية الدينية أحد المكوّنات الأساسية لسياسة إيران الإقليمية والدولية، أثبتت طهران أنها كانت مستعدة لترجمة هذه الحماسة الإيديولوجية الى سياسة براغماتية حيال إسرائيل عندما وجدت أن مصلحتها الاستراتيجية في الدائرة الإقليمية تقتضي هذا التحول. يجزم الكاتب أن هذه القضية لا تعبّر عن تناقض أو مأزق خطير في المواقف الإيرانية، لأنها، في نظره، إحدى الحقائق البسيطة في الحياة السياسية العملية. على هذا الأساس، لا يعتقد الكاتب أن القادة في إيران يعتبرون الإيديولوجيا الدينية حقيقة واحدة مطلقة لا يمكن التغاضي عنها على الإطلاق. ويقتبس عبارة أوردها الرئيس الإيراني السابق، هاشمي رفسنجاني، في إحدى خطبه، إذ قال: "إذا عمدنا الى اتخاذ تدابير غير مناسبة، أو لم نعمد الى اتخاذ أي منها، أو عمدنا الى تأخير صناعة القرار؛ إن إيديولوجيتنا تتميّز بالمرونة، وفي وسعنا اختيار منفعتنا الذاتية وفقاً للإسلام".
تكمن ميزة هذا الكتاب، وسط ندرة الدراسات السياسية عن طبيعة التجاذبات الأميركية ـ الإسرائيلية ـ الإيرانية، في تقدمه خطوة الى الأمام في غربلة المواقف المتشدّدة التي تصدر بين الحين والآخر من واشنطن وتل أبيب وطهران. والأرجح، في هذا السياق، أن جهد المؤلف ينصبّ، بالدرجة الأولى، على قراءة الإيديولوجيا الدينية في إيران في ضوء مصالحها الحيوية والاستراتيجية في آن. ولو فعل نقيض ذلك بمعنى مقاربة مصالحها الحيوية في ضوء شعاراتها الدينية، لانتهى الى ما وصل إليه سواه في هذا المجال. ولأضحى هذا الكتاب صدى أجوف لخطاب سياسي جاهز لا قيمة حقيقية له سوى أنه يساهم في تعميق فجوة الجهل بطبيعة السياسة الإيرانية المحيّرة في الأساس. قد يتفق بعضهم مع المفاهيم التي يناقشها المؤلف، وقد يعمد بعضهم الآخر الى تصنيف هذا الكاتب في خانة المتحاملين على إيران. في الواقع يتعذّر الأخذ بهذا الرأي أو ذاك، ليس إنصافاً للكتاب أو الكاتب، بل محاولة لاختيار مقاربة ثالثة، إذا صحّ التعبير، لقراءة النزاع الإقليمي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران بناء على معطيات أكثر موضوعية واقتراباً من الواقع.
ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط بتنزيل آخر إصدار من Adobe reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
تأليف: تريتا بارزي
تحميل الكتابقراءة أونلاين
حول الكتاب:
هل ثمة حلقة مفرغة أم ملأى بالتجاذبات تتحرك في داخلها سيناريوهات تتوزعها الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل؟ قد يبدو هذا التساؤل، اليوم، خارج السياق السياسي المتداول في أعقاب التناقض الفاضح بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وطهران من جهة أخرى. وقد يتراءى إلينا كذلك أن في هذا التساؤل حيّزاً واسعاً من العبث أو الاستهتار بالحقائق الإقليمية والدولية التي تجعل من هذين الفريقين نموذجاً للعداء المطلق بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، يتجرأ الباحث الأميركي الرزين، تريتا بارزي، على مناقشة هذه المسألة المحيّرة في كتابه الهام "حلف المصالح المشتركة.. التعاملات السرية بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران"، الصادر بالعربية، حديثاً، عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت. تنطوي هذه الدراسة، في حقيقة الأمر، على منظومة معقّدة من الأسباب التي يسبغ عليها الكاتب ثقلاً موضوعياً مميّزاً، من شأنها أن تثير استياء عميقاً في كل من العواصم المذكورة. من هنا، الإفادة العلمية الكبرى التي قد يسفر عنها الكتاب، على الأقل في المنهج المتّبع الذي يستقي المعلومات مباشرة من صنّاع القرار السياسي في الدول الثلاث. والأرجح أن الباحث، وهو من الخبراء المشهود لهم في السياسة الدولية للولايات المتحدة، يقارب هذه القضية الملتبسة، إذا صحّ التعبير، بعقل بارد للغاية، متخطياً المفاهيم الشائعة أو المتوارثة، منذ عقود، عن خارطة المواقف المعلنة أو المضمرة بين هذه الأطراف الثلاثة.
الجغرافيا السياسية
ينطلق الكاتب، في هذه المغامرة الصعبة، من اعتقاد براغماتي غير نظري، مفاده أن التحولات الكبرى في التجاذب الإسرائيلي ـ الإيراني، ليست إلا نتاجاً، على الأرجح، لحقائق جغرافية سياسية لا تمت بصلة الى الإيديولوجيا الثابتة. يفترض هذا التوجه أن أي حلّ يجري التفاوض بشأنه حول التنافس الاستراتيجي بين الدولتين، قد يسهّل بدرجة كبيرة حلّ المشكلات الإقليمية الأخرى بدلاً من الالتفاف عليها. يتوسع الكاتب في مناقشة هذه القضية بإزالة ما علق من غبار كثيف بفصولها وحيثياتها. يرى، في هذا الإطار، أن العداوة الحالية المستحكمة بين البلدين، تبدو أكثر ارتباطاً بموازين القوى في الشرق الأوسط، بعد انتهاء الحرب الباردة، منها بالثورة الإسلامية في إيران. يستدل على ذلك بملاحظة يعوّل عليها كثيراً في الكتاب تفيد بأنه عندما دعا القادة الإيرانيون الى تدمير إسرائيل في ثمانينات القرن الماضي، كانت إسرائيل واللوبي المؤيد لها في واشنطن، يسعيان الى التأثير على الإدارة الأميركية وحملها على عدم الالتفات الى الخطاب الإيراني. يضيف المؤلف أنه بدءاً من العقد الأخير في القرن الماضي، وتحديداً في خضم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة وإسرائيل لإقامة نظام جديد في الشرق الأوسط، حصل تداخل بين مصالح إيران الإيديولوجية والاستراتيجية. وقررت طهران، للمرة الأولى، أن تصبح خصماً يتصدّر العداء للدولة اليهودية. ومع ذلك، يسجّل الكاتب ملاحظة تسترعي الانتباه هي: إن كلاً من إيران وإسرائيل استخدمتا نفوذهما لإحباط مبادرات السياسة الخارجية الأميركية بذريعة أنها تصبّ في مصلحة الطرف الآخر. بناء على ذلك، يستنتج الكاتب أن إيران وظفت ثقلها الإقليمي لعرقلة العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين مخافة أن تصبح معزولة في المنطقة. وفي المقابل، أصرّت إسرائيل على الحؤول دون الشروع في حوار أميركي ـ إيراني مخافة أن تهمل الولايات المتحدة المصالح الأمنية الإسرائيلية. ولا تزال هذه المعادلة، في نظر الكاتب، سائدة حتى اللحظة الراهنة، الأمر الذي يغذّي التوترات على الساحة الإقليمية ويزيدها اشتعالاً أو اقتراباً من الانفجار.
مواقف غير معلنة
يتناول هذا الكتاب، على نحو من القراءة التحليلية، المواقف التي لا يجري التعبير عنها بشكل مباشر في السياسة الخارجية لكل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. وقد آثر المؤلف مناقشة التجاذبات السياسية بين هذه الدول الثلاث من دون التطرّق الى التطورات الداخلية في كل منها بغض النظر عن تأثيرها الضئيل أو الكبير في مجال العلاقات الدولية لهذه الأطراف الثلاثة. ولم يسعَ الكاتب، في هذا السياق، الى محاولة تقديم تفسير عميق للإيديولوجيات التي تلقي بظلّها على قادة هذه البلدان. إنصرف، بدلاً من ذلك، الى دراسة الدينامية الداخلية للأفكار ووجهات النظر العالمية من زاوية ارتباطها بالسياسة الخارجية لكل من إيران وإسرائيل على وجه التحديد. ولا ينبغي أن تعني هذه المقاربة عدم وجود صلة بين الإيديولوجيات والنزاع القائم في ما بينها، أو أن هذه الأخيرة هي موضع تساؤل في هذا الإطار. فعلى النقيض من ذلك، يتمسّك القادة الإيرانيون والإسرائيليون بإيديولوجياتهم المعهودة بعناد ويتعاملون معها على محمل الجدّ. ومع ذلك، لا يرى الكاتب أن هذه الإيديولوجيات تشكّل العامل الرئيسي الحاسم في عملية التجاذب الصعب بين إيران وإسرائيل. يحلّل المؤلف هذه القضية الحسّاسة باستفاضة بعيدة عن الأهواء الشخصية والخطاب السياسي الجاهز، في ثلاثة أقسام. يناقش، في أولها، السياق التاريخي للمثلث الأميركي ـ الإسرائيلي ـ الإيراني أثناء الحرب الباردة. كما يعرّج على ما يعتبره جهوداً إسرائيلية مكثّفة لترميم العلاقات الأميركية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، إضافة الى ما يعتبره سياسة مزدوجة إعتمدتها إيران في تعاملها مع إسرائيل: فهي تنكر حق الكيان الصهيوني في الوجود من ناحية، ثم تنتهج سياسة ضبابية حيال القضية الفلسطينية من ناحية ثانية. ويظهر الفصل الثاني التداعيات العميقة التي أسفرت عن انهيار الاتحاد السوفياتي وهزيمة العراق أمام التحالف الدولي في العام 1991 وتأثيرها على العلاقات بين واشنطن وطهران وتل أبيب. وينصبّ الفصل الأخير على مناقشة الخيارات التي تفكر فيها واشنطن في الوقت الراهن حيال الصناعة النووية في إيران.
الشرق الأوسط الجديد
في أي حال، يرى المؤلف أن ما يسمّى "الشرق الأوسط الجديد" الذي راح يبرز في أعقاب زوال الاتحاد السوفياتي، أن إيران وإسرائيل لم تعودا تعتبران أنهما شريكان محتملان في موضوع الأمن، بل متنافسان في تحديد التوازن في الشرق الأوسط. من هنا، يبدو الكاتب أكثر ميلاً الى الاعتقاد بتحوّل إيران خصماً فاعلاً لإسرائيل، وسعي الكيان الصهيوني، في هذا المجال، الى معارضة أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، إضافة الى الجهود التي تبذلها إسرائيل وإيران لإجهاض السياسات الأميركية في المنطقة باعتبار أنها قد تندرج في مصلحة إسرائيل على حساب إيران أو العكس. يستدل الكاتب على ذلك بالقول أن طهران سعت الى إفشال عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لمنع واشنطن من تشكيل شرق أوسط يتمحور حول إسرائيل ويعتمد على إحكام عزلة مطوّلة على إيران. ويستكمل الكاتب شرح هذه الرؤية بالقول أيضاً أن إسرائيل عارضت المحادثات التي كانت تجري بين واشنطن وطهران مخافة أن يؤدي أي تقارب من هذا النوع الى منح إيران أهمية استراتيجية كبرى على حساب إسرائيل.
الخلاف الإيديولوجي.. خرافة
على هذا الأساس، لم يكن سبب اندلاع الصراع بين إيران وإسرائيل، وفقاً للكتاب، الخلاف الإيديولوجي بينهما، على الرغم من أهميته في هذا الإطار. فوجهات النظر المعادية للصهيونية يتبناها أغلب الساسة الإيرانيين. ومع ذلك، يستنتج الكاتب بأن تأثير التوجه الإيديولوجي للقادة الإيرانيين في رسم السياسة الخارجية لبلادهم مسألة مختلفة تماماً. بدليل أن معظم التحولات الجوهرية في العلاقات الإسرائيلية ـ الإيرانية، قد تزامنت، بشكل أو بآخر، مع التغيرات الجيوسياسية وليس الإيديولوجية. يوفّر المؤلف مثالاً على ذلك منذ أن أخذ شاه إيران السابق يبتعد عن إسرائيل بعد أن باتت طهران تمتلك من القوة ما يمكنها من تحييد الخطر العربي وعقد صداقات مع الدول العربية من موقع القوة. في تلك المرحلة، يؤكد المؤلف ازدياد ميل إيران الى اعتبار علاقتها بإسرائيل عبئاً أكثر منها رصيداً. من ناحية أخرى، فإن التحوّل الأسوأ والأكثر دراماتيكية في العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية قد حدث فعلاً بعد انتهاء الحرب الباردة وهزيمة العراق في حرب الخليج. من هذا المنطلق، يلحظ الكاتب أن الحماسة الإيديولوجية للنظام الإيراني شهدت تراجعاً في تلك الأثناء. ففي حين بدت الإيديولوجية الدينية أحد المكوّنات الأساسية لسياسة إيران الإقليمية والدولية، أثبتت طهران أنها كانت مستعدة لترجمة هذه الحماسة الإيديولوجية الى سياسة براغماتية حيال إسرائيل عندما وجدت أن مصلحتها الاستراتيجية في الدائرة الإقليمية تقتضي هذا التحول. يجزم الكاتب أن هذه القضية لا تعبّر عن تناقض أو مأزق خطير في المواقف الإيرانية، لأنها، في نظره، إحدى الحقائق البسيطة في الحياة السياسية العملية. على هذا الأساس، لا يعتقد الكاتب أن القادة في إيران يعتبرون الإيديولوجيا الدينية حقيقة واحدة مطلقة لا يمكن التغاضي عنها على الإطلاق. ويقتبس عبارة أوردها الرئيس الإيراني السابق، هاشمي رفسنجاني، في إحدى خطبه، إذ قال: "إذا عمدنا الى اتخاذ تدابير غير مناسبة، أو لم نعمد الى اتخاذ أي منها، أو عمدنا الى تأخير صناعة القرار؛ إن إيديولوجيتنا تتميّز بالمرونة، وفي وسعنا اختيار منفعتنا الذاتية وفقاً للإسلام".
تكمن ميزة هذا الكتاب، وسط ندرة الدراسات السياسية عن طبيعة التجاذبات الأميركية ـ الإسرائيلية ـ الإيرانية، في تقدمه خطوة الى الأمام في غربلة المواقف المتشدّدة التي تصدر بين الحين والآخر من واشنطن وتل أبيب وطهران. والأرجح، في هذا السياق، أن جهد المؤلف ينصبّ، بالدرجة الأولى، على قراءة الإيديولوجيا الدينية في إيران في ضوء مصالحها الحيوية والاستراتيجية في آن. ولو فعل نقيض ذلك بمعنى مقاربة مصالحها الحيوية في ضوء شعاراتها الدينية، لانتهى الى ما وصل إليه سواه في هذا المجال. ولأضحى هذا الكتاب صدى أجوف لخطاب سياسي جاهز لا قيمة حقيقية له سوى أنه يساهم في تعميق فجوة الجهل بطبيعة السياسة الإيرانية المحيّرة في الأساس. قد يتفق بعضهم مع المفاهيم التي يناقشها المؤلف، وقد يعمد بعضهم الآخر الى تصنيف هذا الكاتب في خانة المتحاملين على إيران. في الواقع يتعذّر الأخذ بهذا الرأي أو ذاك، ليس إنصافاً للكتاب أو الكاتب، بل محاولة لاختيار مقاربة ثالثة، إذا صحّ التعبير، لقراءة النزاع الإقليمي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران بناء على معطيات أكثر موضوعية واقتراباً من الواقع.
ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط بتنزيل آخر إصدار من Adobe reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
إرسال تعليق